الاثنين، 5 مايو 2008

ثقافة الاعتذار ..في الوطن العربي !!

كتبت أسماء عايد- بجريدة الاهالي :
كنت طفلة بضفائر حين جلست بين يدي جدتي-رحمها الله- لتعلمني اول درس بالحياة-كان ذلك قبل ان اتعلم حتي القراءة و الكتابة- فكانت تقول لي دائما: لسانك حصانك ان صنته صانك و حين تحللت من ضفائري لابحر في مجال التعليم..تعمقت في الشعر و الغريب ان اكثر الابيات التي برسخت بذهني حتي الان هي تلك التي تحدثت ايضا عن اللسان!!
مثال قول الشاعر:
احفظ لسانك و استعذ من شره..........ان اللسان هو العدو الكاشح
و زن الكلام اذا نطقت بمجلس..........فاذا استوي فهناك حلمك راجح
و قال ايضا:
عود لسانك قول الخير تنجو به..........من زلة اللفظ او من زلة القدم
و احذر لسانك من خل تنادمه..........ان النديم لمشتق من الندم
و حين دخلت كلية الصيدلة و درست التشريح..رأيت اللسان و أدركت انه ليس حصانا-كما قالت جدتي- و ليس عدوا كاشحا-كما قال الشاعر- و ان كل هذه ما هي الا تعبيرات مجازية اكسبتهم اياها خبرة الحياة ..و وقتها فهمت المعني و هو ان للسان زلات و علاج هذه الزلات-حين تصدر منا- هو الاعتذار ...
ثم نظرت للعالم العربي فوجدت ان الزلات كثيرة و الاعتذار قليل-شبه منعدم- ثم نظرت للغرب فوجدت ان الزلات ايضا كثيرة لكن الاعتذار يسير موازيا الي جواره بل يسبقه احيانا ..حيث ان اكثر الكلمات استخداما في الشارع الاوروبي هي كلمات الاعتذار و الشكر و الاستئذان في امور لا تبد ذات بال. بالمقابل نجد ان العبارات هذه تختفي كثيرا في شرقنا العربي خاصة في التعامل مع المرأة..
اما عند الساسة-العرب- فالاعتذار مقرون بهيبة الدولة بل حتي مجرد الابتسامة تختفي تماما من وجوه ساستنا!! بينما الامثلة التي تدل علي رقي الاحساس الانسان الغربي بوجه عام و الرجل بوجه خاص متعددة جدا ..فقد اعتذر الرئيس الامريكي الاسبق"نيكسون" اعتذر للشعب الامريكي عقب فضيحة ووترقيت و كذلك اعتذار الرئيس بيل كلينتون عقب فضيحة مونيكا لونيسكي حيث خص زوجته السيدة هيلاري بجزء كبير من خطاب اعتذاره بينما الرئيس شيراك اعتذر عن ملاحظات ابداها حول المطبخ الانجليزي قبل عامين ..
و ربما الحدث اكثر غرابة و الذي تابعت تفاصيله من البداية حتي النهاية-لطبيعة وجودي في ايطاليا- هو ذلك الخلاف الذي دار بين سيلفيو برلسكوني البالغ من العمر سبعين عاما - رئيس وزراء ايطاليا السابق و صاحب نادي ايه سي ميلان الرياضي و مالك وسائل الاعلام حيث يمتلك امبراطورية اعلامية تضم اكبر ثلاث شبكات تليفزيونية في البلاد و هو يعد اغني رجل في ايطاليا علي الاطلاق كما ذكرت مجلة فوربس الاقصادية- و زوجته لاريو فيرونيكا- الممثلة السابقة و التي تصغره بعشرين عاما- حيث قام برلسكوني اثناء حفل لتوزيع جوائز تليفزيونية بمغازلة النائبة مارا كارافاغنا-31 عاما و التي تنتمي الي حزبه "فورسا ايطاليا"- علنا ..قائلا لها :"اذهب معك الي اي مكان حتي الي جزيرة قاحلة" و ردد علي مسمع من الجميع :"لو لم اكن متزوجا لتزوجتها علي الفور" .
اعتبرت فيرونيكا ان ما تفوه به زوجها خلال الحفل من مغازلات يمس كرامتها و يخدش مشاعرها و لا يناسب سنه و لا وضعه السياسي و العائلي خاصة انه اب لخمسة ابناء و انها زوجة محبة له منذ اكثر من سبعة و عشرين عاما ..لذلك كان الامر قاسيا عليها مما دعاها للتوجه الي مجلة"لا ريبوبليكا" المناهضة لسياسة و شخص برلسكوني و نشرت فيها رسالة تطالب زوجها بالاعتذار لها علنا بعد اخفاقه في تقديم الاعتذار لها شخصيا
و بالفعل تم نشر رسالتها و كان ابرز ما جا فيها:اولا " انها فعلت ذلك لتكون مثالا تقتدي بها كل امرأة تتعرض كرامتها و انوثتها لاي شكل من اشكال التجريح" ثانيا: " ان وقوفها في وجه زوجها سيعطي درسا لابنها لويجي بالا ينسي ابدا ان يكون من بين قيمه الاساسية احترام النساء"
و في اليوم التالي علي الفور نشر برلسكوني ردا من 23 سطر من ضمن ما جاء فيها هو الاتي:" ها انا اقول لك انا اسف و لم اتمكن من قولها بيني و بينك لاني اعترف بأني لعوب و متكبر..فأرجوك سامحيني و اقبلي هذه الرسالة العلنية لاثبت لك مدي حبي و تقديري لك و لاسرتنا التي افتخر بها" ثم قيل ان دفع لها ربع ثروته كتعويض لها عما عانته نفسيا بسبب جرحه مشاعرها!
و الان عزيزي القارئ ..ما رأيك؟! الا تري ان ثقافة الاعتذار عن الذلات و الهفوات امر يستحق الاشادة ؟ و طلب المعذرة اعتراف بالخطأ خاصة لرفيق الحياة ..يعطي معني و ملحا للشراكة و يضيف اليها الحيوية و التجديد.فما كنا نتصور ان يقوم مسئول و رجل اعمال بحجم برلسكوني بالاعتذار لزوجته علنا لاختلاف قد يبدو لا شئ بالنسبة الي لهؤلاء الرجال الذين تعودوا القاء كلمات المغازلة و المزاح و المعاكسات علي مسامع النساء...كما اننا لا نتوقع ايضا ان تطلب سيدة من الشرق شيئا مماثلا من زوجها لان رد الفعل سيكون مختلفا تماما و ربما طلقها-لانه نشرت عنه-بدلا من ان يطلب رضاها لتسامحه ...
و رغم انني من وجهة نظري الشخصية اري ان مشاكل الاسرة من الافضل ان تحل بهدوء بين الزوج و زوجته دون حتي تدخل الاهل او الاقارب و لكني قدرت رقة مشاعرها و قدرت اكثر برلسكوني و كل هؤلاء الذين لا يخجلون من الاعتذار فالاعتراف بالخطأ فضيلة.
و في النهاية ارجو ان أكون نجحت في تغيير بعض الافكار الراسخة لدي البعض بأن حياة اهل الغرب-بكونهم لا يدينون بديانة الاسلام- بعيدة كل البعد عن القيم و المبادئ كالصدق و الوفاء و الاخلاص و احترام المرأة.. اما في مصر و غيرها من الدول الاسلامية و الذين يفترض فيهم حسن الخلق و اتباع ما جاء في شريعتنا الاسلامية فنجد العكس تماما لدي الاغلبية حيث تفشي في رجالها و صبيانها اوبئة كثيرة كوباء المعاكسات و جرائم الاغتصاب و التحرش بالفتيات سواء اللفظي بالكلام او الفعلي بالتلامس و كوباء ارتفاع نسب الطلاق-و لا نستثني دور المرأة في فشل العلاقة لكن الرجل هو سيد البيت و عماد الاسرة المسلمة السليمة-حتي دلت اخر احصائية علي انه بمصر تحدث حالة طلاق كل 6 دقائق تقريبا !! و في الامارات وصلت النسبة الي 48% و 46% في الكويت و 38% في قطر و غيرها و غيرها من الدول العربية الاسلامية..!! كل هذا الي جانب وباء العنف ضد المرأة و قضايا الخيانة و الظلم التي دفعت القضاء اصدار قانون الخلع-والذي هو موجود اصلا من عهد الرسول صلي الله عليه و سلم- لحماية انسانية المرأة...ألا تروا معي ان كل هذه الظواهر الاجتماعية المتعلقة بعلاقة "الرجل و المرأة" تمثل انتكاسة كبري؟؟! أليس مخزيا أن نصل الي هذا الانهيار الاخلاقي في العلاقات الاسرية؟!! و الان دعونا نبدأ بترميم الاسرة كي ينصلح حال مجتمعنا كله-ان شاء الله- و دعونا ايضا نأخد من الغرب الايجابيات و براعتهم في النهوض بدولهم و تحقيق التطور من خلال ان يعمل كل منا بمنتهي الضمير في موقع عمله سواء كان العمل حكومي او خاص او داخل الكيان الاسري ..ثم لماذا نذهب بعيدا و نشغل انفسنا بمقارنات بيننا و بين الغرب و قد كان لنا في رسول الله اسوة حسنة فقد كان بارعا في عمله و كان حنونا رقيقا مبتسما دائما في اوجه زوجاته و كل الناس حتي هؤلاء الذين اساءوا اليه..فما أروعك يا حبيبي يا رسول الله !

ليست هناك تعليقات: